X إغلاق
X إغلاق
الرئيسية | من نحن | أعلن لدينا | اتصل بنا | ارسل خبر      16/04/2024 |    (توقيت القدس)

لمقدّسات الاسلاميّة في الخلافة العثمانيّة " أ.د. ابراهيم حسن أبوجابر

من : قسماوي نت
نشر : 16/12/2014 - 00:18

كتاب : الدرر البهيّة من سيرة الدولة العليّة العثمانيّة.

المؤلف : أ.د. ابراهيم حسن أبوجابر

السنة : 2014م

 

الفصل الثاني

من روائع الدولة العليّة العثمانيّة

***********

 المقدّسات الاسلاميّة في الخلافة العثمانيّة

"عمارة المسجد النّبويّ الشّريف"

في المدينة المنورة*10-11/40

اعتنى السلاطين العثمانيون بالمسجد النبوي الشريف كاهتمامهم  طبعا بالمسجد الحرام والمسجد الاقصى المبارك؛ وهذا ملموس في فن عمارة المساجد الثلاثة حتى اليوم بنسب متفاوتة.

 اهتمام العثمانيين هذا جاء بعدما مضت على عمارة المسجد النبوي ما يقارب على أربعمائة سنة ، بعد عمارة قايتباي بدون تجديد ، فآلت سقوف المسجد للخراب والسقوط  ، فشقَّ ذلك على أهل المدينة المنورة  فأخبروا السلطان عبد المجيد "رحمه الله" بواسطة شيخ الحرم داود باشا ، فأمر في عام 1265هجريه  ببناء المسجد النبوي من جديد ، وعلى أحدث طراز ، فجهّز المهندسين والخبراء ، والبنائين والحجَّارين بكل ما يلزم لذلك من المؤن والنقود والآلات .

استخدمت في هذه العمارة الحجارة المنحوتة من جبل غرب وادي العقيق ، واستبدلت القباب عوضاً من السقوف الخشبية ، وزخرفت هذه القباب بأصناف الصور الطبيعية ، ونقش على  بعض منها الآيات القرآنية ، وكتب على الجدران ايضا بعض الآيات والأحاديث النبوية .
كما أقيمت الأعمدة الحجرية تحمل عقوداً مزينة بالزخارف ، وتحمل العقود قباب المسجد ، وبُنيت في المسجد مآذن لا زالت اثنتان منها قائمة حتى الآن ، بعد التوسعة السعودية ، إحداها فوق باب جبريل وتسمى المئذنة الرئيسية ، والأخرى على باب السلام ، وشيّدت العمارة العثمانية بكل عناية وإتقان على أجمل فن من الفنون المعمارية ، ولا يزال منها بالمسجد قسمه الجنوبي . وقد نُقشَت جدرانه وسقوفه بزخارف بديعة ، وطُلي بالدهان الأحمر ، وبلغ عدد الأعمدة في العمارة العثمانية 327 عموداً.

وكان للمسجد في التوسعة العثمانية خمسة أبواب في غاية من الروعة والإبداع والإتقان، بقى منها اليوم قائما ، بعد العمارة السعودية ، باب جبريل عليه السلام ، وباب الرحمة ، وباب السلام ، وباب النساء .

بدأت العمارة العثمانية في عام 1265 وانتهت في عام 1277 من الهجرة ، وكانت الزيادة العثمانية في المسجد النبوي تقدر بـ 1294 م2 ، فأصبحت بذلك مساحة المسجد النبوي الإجمالية 10303 م2 وارتفاع الجدران: 11م، وعدد الأروقة: 19 رواقًا، والأبواب: 5 أبواب، والمآذن 5 مآذن، يتراوح ارتفاعها بين 47,50 و 60م، وأصبح عدد الأعمدة: 327 عمودًا، والقباب: 170 قبة. وبقي للمسجد ساحة داخلية واحدة، وبني في أقصى الجهة الشمالية من المسجد كتاتيب لتعليم القرآن الكريم، وفتح لها طاقات بشبابيك من حديد خارج المسجد وداخله، وتمت إنارة المسجد بوضع: 600 مصباح زيتي، موزعة في أنحاء المسجد.

كانت العمارة العثمانية تتميز باللون الأحمر وهذا اللون يلاحظ انه مرغوب به في تركيا حتى اليوم بدليل لون العلم التركي الرسمي , فاللون هذا يرمز في العادة الى بسالة وشجاعة الجنس التركي ، واليوم بعد إكمال العمارة السعودية ، تم دهان المتبقي من العمارة العثمانية بالدهان الأبيض للتنسيق بين العمارتين والاستفادة من

زيادة الإضاءة ، وتمت إنارة المسجد بوضع: 600 مصباح زيتي، موزعة في أنحاء المسجد.

وانه لحري القول ان اهتمام العثمانيين كان غير مسبوق في بناء المساجد وعمارتها, وهذا ما يلاحظه المرء عندما يزور الاراضي التركية , وتحديدا من ارض المطار في اسطنبول مثلا تستقبلك ماذن المساجد العالية والمميزة حقيقة, واينما تولي وجهك فثمة ماذن شاهقة في كل مدينة وقرية تركية؛ ليس هذا فحسب وانما في الاراضي التي فتحها العثمانيون, فهناك المساجد المبنية على الطراز العثماني الجميل.

هذا الامر شاهد حي على اصالة هذه الخلافة وعراقتها , لا بل واسلاميتها , فتعلقهم ببناء المساجد هذا ياتي  شاهدا حيا كما ذكر على صدق انتمائهم للاسلام , ورمزا دينيا حيا ايضا على هويتهم الاسلامية  في البقاع التي فتحوها.(11 )

 

الخلافة العثمانيّة

الدّعوة والجهاد في سبيل الله, غايتها!!*

نشأت الدولة العثمانية بداية نشأة جهادية، بل إن حِرْص مؤسسيها على الجهاد كان أحد الأسباب الرئيسية لنشأتها، فلا ينسى وقوف العثمانيين بجانب سلطان السلاجقة المسلم ضد أعدائه، ما كان سببًا في انتصاره، ومكافأته لهم بمنحهم أرضا مقابل هذا الصنيع، كانت تلك الأرض هي نواة المملكة الشاسعة التي امتدت شرقًا وغربًا، وشمالاً وجنوبًا. ساعد موقع الدولة العثمانية على تَبَنِّي سياسة الجهاد في سبيل الله، فقد كانت في الشمال الغربي للأناضول، على حافَّة العالم المسيحي من جهة، وعلى حافة العالم الإسلامي من الجهة الأخرى، وكانت التحرُّكات الحربية التي قام بها العثمانيون في المرحلة الأولى من تاريخهم نتاج عدة عوامل؛أهمها الروح الدينية الجياشة، والطبيعة العسكرية الصارمة، والموقع الجغرافي للإمارة العثمانية، ثم الأوضاع السياسية في المنطقة المحيطة بالأتراك العثمانيين.

ومنذ بداية نشأة الدولة العثمانية أُطلق على السلطان الحاكم لقب الغازي – أي المجاهد في سبيل الله – وظل هذا اللقب الرفيع يتقدم كل الألقاب والنعوت بالنسبة للسلاطين العثمانيين لاحقا .

لقد كان اهتمام السلاطين العثمانيين بالجهاد أمرًا واضحًا للغاية، فقد كانت حياتهم كلها جهادًا في سبيل الله، وتوسيعًا لرقعة الدولة الإسلامية، ومن جملة هؤلاء السلاطين يمكن الإشارة إلى ثلاثة منهم كدليل عملي على ما ذكر:

"عثمان بن أرطغرل": ورث صفة الجهاد هذه عن أبيه، وقد اتَّسم بوضوح الهدف والغاية، فلم تكن فتوحاته من أجل مصالح اقتصادية أو عسكرية، أو غير ذلك، بل كانت فرصة لتبليغ دعوة الله ونشر دينه، ولذلك وصفه المؤرخ "أحمد رفيق" في موسوعته "التاريخ العام الكبير" بأنه كان متدينًا للغاية، وكان يعلم أن نشر الإسلام وتعليمه واجب مقدَّس، وكان مالكًا لفكر سياسي واسع متين، ولم يؤسس "عثمان" دولته حبًّا في السلطة، وإنما حبًّا في نشر الإسلام.

ويقول "مصر أوغلو": لقد كان "عثمان بن أرطغرل" يؤمن إيمانًا عميقًا بأن وظيفته الوحيدة في الحياة هي الجهاد لإعلاء كلمة الله، وقد كان مندفعًا بكل حواسه وقواه نحو تحقيق هذا الهدف.

وقد ترك عثمان الأول الدولة العثمانية ومساحتها تبلغ 16000كم2، واستطاع أن يجد لدولته الناشئة منفذًا على بحر مرمرة، واستطاع بجيشه أن يهدّد أهم مدينتين بيزنطيتين في ذلك الزمان وهما أزنبق وبورصة.

"أورخان بن عثمان" :كان حب الجهاد لا يفارقه، وقد حاول تحقيق بشرى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بفتح القسطنطينية، واتخذ في ذلك خطوات عملية، من خلال وضع خطة إستراتيجية تستهدف محاصرة العاصمة البيزنطية من الغرب والشرق في آنٍ واحد، وأرسل ابنه سليمان لعبور مضيق الدردنيل والاستيلاء على بعض المواقع في الناحية الغربية، وقد استفاد من جاء بعده من هذه الإنجازات في فتح القسطنطينية.

كانت أهم أعمال "أورخان" تأسيسه للجيش الإسلامي، وقد حرص على إدخال نظام جديد للجيش وتطويره وتحديثه حتى يؤدي دوره على أحسن وجه؛ فقام بتقسيم الجيش إلى وحدات، وخَصَّصَ خُمْسَ الغنائم للإنفاق منها على الجيش، وجعله جيشًا نظاميا (مؤسسة الجيش) وليس استثنائيًّا، فقد كان قبلُ لا يجتمع إلا وقت الحرب، كما أنشأ كذلك مراكز تدريب له.

لقد احتلَّ الجيش مكانة بالغة الأهمية في حياة الدولة العثمانية، فهو أداة للحكم والحرب معًا، إذ كانت الحكومة العثمانية جيشًا قبل أي شيء آخر، وكان كبار موظفي الدولة هم في نفس الوقت قادة الجيش، ومن هنا جاء القول الشائع بأن الحكومة العثمانية والجيش العثماني وجهان لعملة واحدة.

لقد كان هذا الجيش الذي أسسه ونظَّمه وطوَّره "أورخان بن عثمان" أول جيش نظامي في تاريخ العالم.

هذا وقد اتسعت رقعة الدولة العثمانية في نهاية عهده إلى 95.000 كم2، وكان قد تسلمها من والده وهي لا تزيد على 16.000 كم2، كما ذكر سابقًا.

"مراد الأول": كان محاربًا قديرًا، شغوفًا بالجهاد، وقد جمع إلى جواره مجموعة من خيرة القادة والخبراء العسكريين، واستطاع أن يمضي في عملياته الحربية في أوروبا وآسيا الصغرى في وقت واحد.

ففي أوروبا هاجم الجيش العثماني أملاك الدولة البيزنطية، ثمَّ استولى عام (762 هـ/ 1360م) على مدينة أدرنة ذات الأهمية الإستراتيجية في البلقان، وكانت ثاني مدينة في الإمبراطورية البيزنطية بعد القسطنطينية، وقد اتخذها السلطان مراد عاصمة للدولة العثمانية منذ عام (768 هـ/ 1366م)، وبذلك انتقلت عاصمة الدولة من آسيا إلى أوروبا، وسرعان ما تركزت في هذه العاصمة الجديدة جميع المقومات اللازمة للنهوض بالدولة وأصول الحكم، فتكوَّنت فيها فئات من الموظفين وفرق الجيش، وطوائف رجال القانون، وعلماء الدين، وأقيمت دور المحاكم، كما تَمَّ تشييد المعاهد المدنية والعسكرية، وقد ظلت "أدرنة" على هذا الوضع السياسي والعسكري والإداري والثقافي والديني، حتى تم فتح القسطنطينية بعد ذلك، فاتخذوها عاصمة لدولتهم.

لقد قاد السلطان مراد الشعب العثماني ثلاثين سنة بكل حكمة ومهارة لا يضاهيه فيها أحد من ساسة عصره. قال المؤرخ البيزنطي "هالكونديلاس" عن مراد الأول: قام مراد بأعمال مهمة كثيرة، دخل سبعًا وثلاثين معركة، سواءً في الأناضول أو في البلقان، وخرج منها جميعًا منتصرا.

إن الدارس لتاريخ الخلافة الإسلامية العثمانية جيدا ليبهر من مواقف مشرقة للسلاطين الأتراك في ساحات الجهاد والوغى، فقد كانوا مقدامين بدليل استشهاد السلطان مراد الأول في معركة قوصوة "كوسوفو" .

لقد كان شعارهم الدعوة إلى الله ورفع راية لا اله إلا الله محمد رسول الله؛ ولهذا كان الجهاد في سبيل الله والفتوحات من أولويات قادة الخلافة العثمانية، وهذا ما يستشف من مواقف الغرب وقتها من العثمانيين وتخوفهم من نشر الإسلام في ربوع بلادهم ووصفهم المسلمين الأتراك بالبرابرة، ودعم وتأسيس حركات قومية وشعوبية تركية وغير تركية لإسقاط الخلافة العثمانية  وهذا ما حصل.

لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net

اضف تعقيب

ارسل