X إغلاق
X إغلاق
الرئيسية | من نحن | أعلن لدينا | اتصل بنا | ارسل خبر      29/04/2024 |    (توقيت القدس)

الفصل الرابع مواقف خالدة لسلاطين الدولة العليّة أ.د. ابراهيم حسن أبوجابر

من : قسماوي نت - أ.د. ابراهيم حسن أبوجابر
نشر : 10/01/2015 - 20:01

كتاب : الدرر البهيّة من سيرة الدولة العليّة العثمانيّة.

المؤلف : أ.د. ابراهيم حسن أبوجابر

السنة : 2014م

 

الفصل الرابع

مواقف خالدة لسلاطين الدولة العليّة

**********

السلطان سليم الأول

وتهديد شيخ الإسلام( زمبيلي علي مالي أفندي)له

حول "نصارى اسطنبول"14/40

علم السلطان (سليم الأول) أن الأقليات غير المسلمة الموجودة في (اسطنبول) من الأرمن والروم واليهود ، بدأت تتسبب في بعض المشاكل للدولة العثمانية ، وفي إثارة بعض القلاقل ، فغضب لذلك غضباً شديداً ، وأعطى قراراه بأنه على هذه الأقليات غير المسلمة اعتناق الدين الإسلامي ، ومن يرفض ذلك ضرب عنقه.

بلغ هذا الخبر شيخ الإسلام ( زمبيلي علي مالي أفندي) ، وكان من كبار علماء عصره ، فساءه ذلك جداً ، ذلك لأن إكراه غير المسلمين على اعتناق الإسلام يخالف تعاليم الإسلام ، الذي يرفع شعار { لا إكراه في الدين }؛ فلا يجوز أن يخالف أحد هذه القاعدة الشرعية ، وإن كان السلطان نفسه. ولكن من يستطيع أن يقف أمام هذا السلطان ، الذي يرتجف أمامه الجميع ؟ من يستطيع أن يقف أمام هذا السلطان ، ذي الطبع الحاد فيبلغه بأن ما يفعله ليس صحيحاً ، وأنه لا يوافق الدين الإسلامي ويعد حراماً في شرعه ؟ليس من أحد سواه يستطيع ذلك ، فهو الذي يشغل منصب شيخ الإسلام في الدولة العثمانية ، وعليه تقع مهمة إزالة هذا المنكر الذي يوشك أن يقع.

لبس  شيخ الاسلام جبّته وتوجّه إلى قصر السلطان ، واستأذن في الدخول عليه ، فأذن له ، فقال للسلطان : سمعت أيها السلطان أنك تريد أن تكره جميع الأقليات غير المسلمة على اعتناق الدين الإسلامي, وكان السلطان لا يزال محتداً فقال: أجل .. إن ما سمعته صحيح .. وماذا في ذلك ؟لم يكن شيخ الإسلام من الذين يتردّدون عن قوله الحق : أيها السلطان إن هذا مخالف للشرع ، إذ لا إكراه في الدين ، ثم إن جدكم (محمد الفاتح) عندما فتح مدينة (اسطنبول) اتّبع الشرع الإسلامي فلم يكره أحداً على اعتناق الإسلام ، بل أعطى للجميع حرية العقيدة ، فعليك باتباع الشرع الحنيف ، واتباع عهد جدكم (محمد الفاتح). قال السلطان سليم وحدّته تتصاعد : يا علي أفندي … يا علي أفندي : لقد بدأت تتدخل في أمور الدولة … ألا تخبرني إلى متى سينتهي تدخّلك هذا ؟فرد عليه القاضي: إنني أيها السلطان أقوم بوظيفتي في الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وليس لي من غرض آخر ، وإذا لم ينته أجلي ، فلن يستطيع أحد أن يسلبني روحي. فقال السلطان: دع هذه الأمور لي يا شيخ الإسلام.فرد القاضي:كلا أيها السلطان … إن من واجبي أن أرعى شؤون آخرتك أيضاً ، وأن أجنبك كل ما يفسد حياتك الأخروية ، وإن اضطررت إلى سلوك طريق آخر. فقال السلطان: ماذا تعني ؟فرد القاضي: سأضطر إلى إصدار فتوى بخلعك أيها السلطان ، بسبب مخالفتك للشرع الحنيف إن أقدمت على هذا الأمر. فأذعن السلطان (سليم) لرغبة شيخ الإسلام ، فقد كان يحترم العلماء ، ويجلّهم ، وبقيت الأقليات غير المسلمة حرّة في عقائدها ، وفي عباداتها ، وفي محاكمها ، ولم يمد أحد أصبع سوء إليهم.(16 )

القاضي "صاري خضر جلبي"

يحكم بقطع يد السلطان محمد الفاتح!!

أمر السلطان (محمد الفاتح) ببناء أحد الجوامع في مدينة (اسطنبول)، وكلّف أحد المعماريين الروم واسمه (إبسلانتي) بالإشراف على بناء هذا الجامع، إذ كان هذا الرومي معمارياً بارعاً. وكان من بين أوامر السلطان: أن تكون أعمدة هذا الجامع من المرمر، وأن تكون هذه الأعمدة مرتفعة ليبدو الجامع فخماً، وحدّد هذا الارتفاع لهذا المعماري.

ولكن هذا المعماري الرومي - لسبب من الأسباب - أمر بقصّ هذه الأعمدة ، وتقصير طولها دون أن يخبر السلطان ، أو ان يستشيره في ذلك ، وعندما سمع السلطان (محمد الفاتح) بذلك ، استشاط غضباً ، إذ أن هذه الأعمدة التي جلبت من مكان بعيد ، لم تعد ذات فائدة في نظره ، وفي ثورة غضبه هذه ، أمر بقطع يد هذا المعماري. ومع أنه ندم على ذلك إلا أنه كان ندماً بعد فوات الأوان.

ولم يسكت المعماري عن الظلم الذي لحقه ، بل راجع قاضي اسطنبول الشيخ ( صاري خضر جلبي) الذي كان صيت عدالته قد ذاع وانتشر في جميع أنحاء الإمبراطورية ، واشتكى إليه ما لحقه من ظلم من قبل السلطان (محمد الفاتح). فلم يتردّد القاضي في قبول هذه الشكوى ، بل أرسل من فوره رسولاً إلى السلطان يستدعيه للمثول أمامه في المحكمة ، لوجود شكوى ضده من أحد الرعايا.

ولم يتردد السلطان كذلك في قبول دعوة القاضي ، فالحق والعدل يجب أن يكون فوق كل سلطان. وفي اليوم المحدّد حضر السلطان إلى المحكمة ، وتوجّه للجلوس على المقعد, فقال له القاضي : لا يجوز لك الجلوس يا سيدي ... بل عليك الوقوف بجانب خصمك.

وقف السلطان (محمد الفاتح) بجانب خصمه الرومي، الذي شرح مظلمته للقاضي، وعندما جاء دور السلطان في الكلام، أكّد ما قاله الرومي. وبعد انتهاء كلامه وقف ينتظر حكم القاضي، الذي فكر برهة ثم توجّه إل السلطان محمد الفاتح قائلاَ: حسب الأوامر الشرعية ، يجب قطع يدك أيها السلطان قصاصاً منك !! ذهل المعماري الرومي ، وارتجف دهشة من هذا الحكم الذي نطق به القاضي ، والذي ما كان يدور في خلده ، أو في خياله لا من قريب ولا من بعيد ، فقد كان أقصى ما يتوقعه أن يحكم له القاضي بتعويض مالي. أما أن يحكم له القاضي بقطع يد السلطان (محمد الفاتح) فاتح (القسطنطينية) الذي كانت دول أوروبا كلها ترتجف منه رعباً، فكان أمراً وراء الخيال ... وبصوت ذال ، وبعبارات متعثّرة  قال الرومي للقاضي ، بأنه تنازل عن دعواه ، وأن ما يرجوه منه هو الحكم له بتعويض مالي فقط ، لأن قطع يد السلطان لن يفيده شيئاً ، فحكم له القاضي بعشر قطع نقدية ، لكل يوم طوال حياته ، تعويضاً له عن الضرر البالغ الذي لحق به. ولكن السلطان (محمد الفاتح) قرّر أن يعطيه عشرين قطعة نقدية ، كل يوم تعبيراً عن فرحه لخلاصه من حكم القصاص ، وتعبيراً عن ندمه كذلك.(18)

القاضي "شمس الدين فناري"

يرفض  شهادة السلطان بايزيد!!

الحادث حصل في مدينة (بورصة) في عهد السلطان العثماني (بايزيد) ,الملقب بـ (الصاعقة) ... الفاتح الكبير ... فاتح بلاد (البلغار) و (البوسنة) و (سلا) و (ألبانيا) ... السلطان الذي سجل انتصاراً ساحقاً على الجيوش الصليبية ، التي دعا إلى حشدها البابا (بونيغا جيوش الرابع) ، لطرد المسلمين من أوروبا ، والتي اشتركت فيها خمس عشرة دولة أوروبية كانت (انجلترا) و (فرنسا) و (المجر) من بينها ، وذلك في المعركة التاريخية المشهورة ، والدامية ... معركة (نيغبولي) سنة 1396م.

 هذا السلطان الفاتح اقتضى حضوره للإدلاء بشهادة في أمر من الأمور أمام القاضي والعالم المعروف (شمس الدين فناري). دخل السلطان المحكمة  ووقف أمام القاضي ، وقد عقد يديه أمامه كأي شاهد اعتيادي. رفع القاضي بصره إلى السلطان ، وأخذ يتطلع إليه بنظرات محتدّة ، قبل أن يقول له : إن شهادتك لا يمكن قبولها ، ذلك لأنك لا تؤدي صلواتك جماعة ، والشخص الذي لا يؤدي صلاته جماعة ، دون عذر شرعي يمكن أن يكذب في شهادته.

نزلت كلمات القاضي نزول الصاعقة على رؤوس الحاضرين في المحكمة . كان هذا اتهاماً كبيراً ، بل إهانة كبيرة للسلطان (بايزيد) ، تسمّر الحاضرون في أماكنهم ، وقد أمسكوا بأنفاسهم ينتظرون أن يطير رأس القاضي بإشارة واحدة من السلطان ؛لكن السلطان لم يقل شيئاً ، بل استدار وخرج من المحكمة بكل هدوء.

أصدر السلطان في اليوم نفسه أمراً ببناء جامع ملاصق لقصره ، وعندما تمّ تشييد الجامع ، بدأ السلطان يؤدي صلواته  كلها في جماعة.

هذا ما سجله المؤرخ التركي (عثمان نزار) في كتابه : (حديقة السلاطين) المؤلف قبل مئات السنين؛ فعندما كان المسلمون يملكون أمثال هؤلاء العلماء ، ملكوا أمثال هؤلاء السلاطين.(19)

 

*جامع "علي پاشا" تم الانتهاء من بنائه في 1561، سراييفو.

 

 

لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net

اضف تعقيب

ارسل