X إغلاق
X إغلاق
الرئيسية | من نحن | أعلن لدينا | اتصل بنا | ارسل خبر      28/03/2024 |    (توقيت القدس)

فيديو : بين المسيحية والإغريق والإلحاد.. كيف نظر الغرب للموت وفلسفته؟

من : قسماوي نت
نشر : 03/05/2018 - 15:08

والموت آخر علة *** يعتلها البدن العليل!

    

الموت نهاية لحياة دنيا لا يمكن أن يستعيدها الإنسان بالطريقة التي تماثل حياته أو حتى تشابهها، ولطالما بحث الإنسان عما أسماه "أكسير الحياة" أو "جنة الخلد التي لا تفنى"، ولكن محاولاته جميعا باءت بالإخفاق وذهبت أدراج الرياح، فمنذ أن فكر الإنسان في ذلك وحتى اليوم، ومازال "كل إنسان فانيا"[1].

   

 
الموت في المخيال الحضاري!

عرف الإغريق بحب الحياة والتطلع لها، وتقرر إيديث هاملتون الباحثة الراحلة في التاريخ الإغريقي في معرض تشديدها على الفرح بالحياة كسمة من سمات الروح اليونانية بأن الإغريق كانوا يعون بصورة مرهفة، ويدركون على نحو تخالجه الرهبة عدم يقينية الحياة، وجسامة الموت، ويؤكدون مرارا وتكرارا قصر وعقم الجهود البشرية كافة. ولأن العالم كان جميلا بالنسبة لهم، وكانت الحياة فيه شيئا بهيجا؛ فقد بدا الموت رهيبا للغاية.

   

وهناك العديد من الأمثلة التي تؤيد هذه العبارات، فالشاعر اليوناني هوميروس يجعل ظل بطل ملحمته "الإلياذة" "أخيل" يعبر عن وجهة النظر السائدة بين اليونان آنذاك:

"أناشدك يا أوديسيوس الشهير ألا تتحدث برفق عن الموت، فلأن تعيش على الأرض عبدا لآخر خير من أن تحكم كملك لا ينازعه السلطان أحد في مملكة الأشباح اللاجسدية[2].

أما سقراط فيعد من أشجع الفلاسفة اليونان الذين آمنوا بأن الموت هو تحرر النفس من سجن الجسد وعودتها إلى عالم الحقائق والخلود، وعندما قدر أن يقدم للمحاكمة ويحكم بالإعدام، رأيناه في المرويات مرحبا به، باعتباره مخلصه من عالم السعادة الأبدية ومكان النفس الأصلي، ويرى أن ليس من الحكمة الخوف من الموت بل هي في الواقع ادعاء لها؛ لأنها تظاهر بمعرفة ما تستحيل معرفته، فقد يكون الموت خيرا عظيما، ويستنكر نظرة الناس إلى الموت بالجزع كأنه أعظم الشرور، وهذا في نظره ناشيء من الجهل الشائن[3]!

        

   

على أن سؤال ما بعد الموت طالما سيطر على عقل الإنسان منذ أقدم الحضارات، وربما استطاعت بعض هذه الحضارات أن تجيب عن هذا السؤال المحوري وفق تصوراتها وطقوسها الخاصة التي ظلت تتوارثها أجيال هذه الحضارة، ففي الحضارة المصرية القديمة، يرى المؤرخ الأمريكي ول ديورانت أن أهم ما كان يميز عقيدة المصريين القدماء  "توكيدها فكرة الخلود. فالمصريون يعتقدون أنه إذا أمكن أن يحيا أوزير النيل، ويحيا النبات كله، بعد موتهما، فإن في مقدور الإنسان أيضا أن يعود إلى الحياة بعد موته، وكان بقاء أجسام الموتى سليمة بصورة تسترعي النظر في أرض مصر الجافة مما ساعد على إثبات هذه العقيدة التي ظلت مسيطرة على الديانة المصرية آلاف السنين"[4].

   

وفي المسيحية كان الذين يتمسكون بالإيمان الصادق وفقا للصيغ المرسومة أن يفوزوا بالمنافع في الحياة بعد الموت، وفي القرون الباكرة للمسيحية عندما كانت العقيدة تترسخ صارت شهادات الإيمان مهمة على وجه الخصوص بوصفها صياغات للاعتقاد الدقيق ووسيلة لتحديد أعضاء الجماعة "المؤمنة"، وشهادة الإيمان للقديس أثناسيوس من القرن الرابع للميلاد المهمة عند الكاثوليك وبعض الكنائس البروتستانتية تبدأ في الترجمة هكذا في "كتاب الصلاة المشتركة" في الكنيسة الإنجليكانية: "من سينجو: من الضروري قبل كل شيء أن يتمسك بالعقيدة المسيحية، وأي عقيدة لا يحافظ عليها المرء كاملة وغير مدنسة فمما لا ريب فيه أنه سيهلك للأبد". أي سيعاقب بالحرمان واللعنة والطرد من الكنيسة.

   

ويمكن تلمس هذه الحالة في مطاردات السحرة في القرنين السادس عشر والسابع عشر عندما جرى امتحان الذين ظن أنهم عقدوا اتفاقا مع الشيطان وقتل الكثير منهم، فقد رأت سلطة الكنيسة أن موتهم يفيدهم في الخلاص النهائي لأرواحهم، وبهذا المعنى لا يمكن أن ينفصل تاريخ الموت في تلك الحقبة من التاريخ الأوروبي عن تاريخ سلطة الكنيسة واستخدامها فكرة العقيدة الحقيقية أداة للسيطرة على مصير الناس في الأرض وفي السماء، وهذا الأمر شديد الوضوح في الممارسة الكاثوليكية لـ"مسحة المرضى" التي يقوى بها المحتضرون على رحلتهم إلى الموت وعبر الموت[5].

   

 
الموت فلسفيا!

في الفلسفة الحديثة كان سؤال الموت، والخشية منه حاضرا في أذهان الفلاسفة وفي كتاباتهم، وقد تنوعت أجوبتهم حول هذا السؤال الملح والأزلي، حيث يرى الفيلسوف الفرنسي ديكارات في خطاب كتبه سنة ألف وستمئة واثنين وأربعين 1642م إلى صديقه كونستانتين أيوجين والد عالم الطبيعة الشهير أن العلاج الناجع من "خشية الموت" يتمثل في اعتقاده الجازم بأن "أنفسنا تبقى بعد أجسامنا"، يقول لصديقه: "أعلم جيدا أن لك ذهنا متقدا وأنك تعرف جميع ضروب العلاج التي تهدئ حزنك، لكن لا أستطيع الامتناع عن إخبارك بعلاج وجدته بالغ الأثر، لا في مساعدتي على أن أحتمل صابرا موت أولئك الذين أحبهم فحسب، وإنما كذلك في القضاء على خوفي من موتي، وذلك على الرغم من أنني أنتمي إلى أولئك الذين يعشقون الحياة عشقا جما، ويتمثل هذا الضرب من العلاج في النظرة إلى طبيعة أنفسنا، تلك الأنفس التي أعتقد أنني أعرف بوضوح بالغ أنها تبقى بعد الجسم، وأنها قد ولدت من أجل ضروب للفرح والغبطة أعظم كثيرا من تلك التي نتمتع بها في هذا العالم"[6].

             

   

أما معاصره المؤرخ الهولندي باروخ اسبينوزا، وهو واحد من أهم فلاسفة القرن السابع عشر الميلادي، فلم يعط إجابة عن سؤال الموت وماهيته، فعلى العكس من ذلك، رأى أن الحل الأمثل لهذه المعضلة هو عدم التفكير في الموت أصلا، يقول في كتابه الأخلاق: "الإنسان الحر لا يفكر في الموت إلا أقل القليل، لأن حكمته هي تأمل الحياة لا الموت". لكن الدارسين لفلسفة اسبينوزا مثل ديكسون يؤكدون أن اسبينوزا ، "كان يرغب في ألا يفكر في الموت، ولم يتوقف أبدا عن التفكير فيه"[7]!

    

ربما لم تفصح مرحلة زمنية عن الانشغال بما يحدث بعد الموت أكثر مما ظهر في القرنين السابع والثامن عشر فقد اشتهر بين الفلاسفة الأوربيين بعصر إنكار الخلود، ويعد توماس هوبز ( المتوفى سنة ألف وستمئة وتسعة وسبعين 1679م) مثالا على ذلك، حيث يعتقد أن النفس ليست خالدة ولكن الرب في يوم الدينونة "القيامة" سيبعث المخلصين بأجسام روحانية مجيدة، فيما سيعاني الحشاة موتا ثانيا وأبديا، وهكذا يعارض هوبز فلسفته، وإذا ما أردنا أن نبحث عن تفسير محتمل لهذا التضارب فإن حياة هوبز التي كتبها بنفسه تقدم لنا ما يمكن أن يكون مفتاحا، إنه يعترف على امتداد حياته كلها أنه قد أصابه الخوف في العموم بما في ذلك الخوف من الموت، هذا القلق من الموت والذي آمن فيه بأن النفس ليست خالدة، لم يكن في الحقيقة إيمانا راسخا بهذه الفلسفة التي نادى بها، فقد أثر عنه قوله عند موته: "إني أقفز قفزة مخيفة في الظلام"[8]!

    

الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز (مواقع التواصل)

     

ومع الفلاسفة الماديين الفرنسيين في القرن الثامن عشر أصبح إنكار خلود النفس  الموقف الفلسفي الأكثر أصالة، وكما كان الحال بالنسبة للفلاسفة الإنسانيين خلال عصر النهضة، كان التأكيد عند الفلاسفة الفرنسيين على الحياة، والموت عندهم ما هو إلا محض "حادث طبيعي" مؤلم يمكن تجنبه ومن الأفضل أن يزاح التفكير فيه إلى الهامش، وفي اتفاق مع روح التنوير في إيمانها المسرف بقوى العقل جرى التركيز على القول بأن الحياة يمكن تحسينها، وأن السعادة يمكن تحقيقها في هذه الحياة الدنيا، وهي الحياة الوحيدة التي يمكن أن توجد، وبالتالي فهي الحياة الوحيدة التي لها أهمية، وأما الخلود فهو أكذوبة كهنوتية يتعين كشف النقاب عنها والقضاء عليها لتحقيق حياة أفضل في إطار من الحرية والسعادة للكافة في الحياة الدنيا[9]!

  

في الثقافة الشعبية الغربية كان الجسد البشري وشخصه مشحونين بالأهمية الشديدة ويظهران كيف تجلب القدرة الرمزية للأجساد الحية والميتة إلى تاريخ الموت تاريخ القيم الاجتماعية المتبدلة عبر الزمان، وتؤكد هاتان الحالتان القيم التي سادت في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال في القرن العشرين، إذ ركزت إحداهما على المعالجة التجميلية للجثة والأخرى على موت الجنود.

    

في كتاب جيسيكا ميتفورد ذي الشعبية الفائقة "طريقة الموت الأمريكية" تشرح كيف كان مديروا الجنازات يهيئون الأجساد عبر عمل تجميلي كثيف قبل إقامة جنازات لها شبيهة بالحفلات في بيوت الجنازات في سنة ألف وتسعمئة وثلاثة وستين 1963م، ويقرر دوجلاس في كتابه "الوجيز في تاريخ الموت" ذلك فيقول: "إن أجزاء كثيرة من الولايات المتحدة تهيء الموتى على هذا النحو حتى يتراءون شبيهين كثيرا بمظهرهم في الحياة ويمكن أن تقرأ ممارستها المقابلة في دفن الموتى في توابيت متينة داخل قبور آجرية أو مبطنة بالأسمنت"[10].

 

إن التأمل وتتبع آراء الفلاسفة الغربيين حول مسألة الموت، يمكن أن يقودك في أفضل الأحوال إلى تصور واحد من ثلاثة: إما الرؤية اليونانية القديمة أو الرؤية المسيحية أو الإلحادية التي لا تجعل للموت قيمة!

لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net

اضف تعقيب

ارسل