
تُظهر الصور غيمة غازية تعرف بـ"G2" وهي علي وشك الاصطدام بالثقب الأسود الضخم الذي يتمركز في مجرتنا ويعرف باسم "سغيتاريوس A". وتظهر المحاكاة كيف يمكن أن تتمدد الغيمة وتتمزق عند وقوع الاصطدام.
غالبا ما توصف الثقوب السوداء، والتي هي عبارة عن أجسام فائقة الكثافة، بكونها مقتاتات نهمة تعمل جاذبيتها الفائقة بمثابة غشاء أحادي المسلك، إذ أنها تمتص كل الأشياء، بما فيها الضوء، إلى داخلها ولا يتسرب منها شيئ في الحقيقة.
وستكون هذه هي المرة الأولى التي قد يتمكن فيها علماء الفلك من مشاهدة ثقب أسود عملاق يلتهم وجبة خفيفة كونية. حيث من المتوقع في آذار أو نيسان القادم أن تصطدم سحابة غازية تندفع بشدة تجاه مركز مجرة درب التبانة "بسغيتاريوس A"، وهو اسم يطلق على ثقب أسود يبتعد مسافة 26 ألف سنة ضوئية عن كوكب الأرض، علما بأن المرة الأخيرة التي وقع فيها فعليا هذا الحدث كانت قبل 26 ألف سنة.
هذا، ويبلغ حجم السحابة 3 مرات حجم كوكب الأرض، في حين أن حجمه لا يساوي شيئا قياسا للثقب الأسود الذي يوازي حجمه الضخم الأحجام المجتمعة لأربعة ملايين شمس.
وقال آفي لوب، وهو عالم فيزياء فلكية في جامعة هارفرد، في معرض تعقيبه على ذلك: "إن هذه فرصة نادرة لمشاهدة اقتيات الثقب الأسود. فهل سيصل الغاز إلى الثقب الأسود؟ وإذا حصل ذلك، فبأي سرعة؟ وهل سيقذف الثقب الأسود خارجا الغاز على شكل فوران؟ إن هذه التجربة مثيرة بالنسبة لعلماء الفلك، وكأن شأن العلماء في ذلك شأن الأبوين اللذين سيلتقطان الصورة الأولى لمولودهما الجديد وهو يتناول طعامه."
وإذا ما التهم الثقب الأسود جزءا كبيرا من السحابة -وهو ما يمثّل عملية هضم قد تستغرق شهورا أو حتى سنوات طويلة- قد تنتطلق ألعاب نارية. وحيث أن درجة حرارة السحابة الغازية التي ستسلك مسارا حلزونيا في اندفاعها نحو الثقب الأسود سترتفع إلى بلايين الدرجات، فإنها قد تطلق تنهدها الأخير من الإشعاع الذي سيتراوح بين موجات الراديو وموجات أشعة اكس.
ولكن حتى ولو مثلت المواجهة بين السحابة والثقب الأسود خيبة، فإنها قد تلقي نظرة ثاقبة على عادات اقتيات الثقوب السوداء الكبيرة -والتي يُعتقد بأنها تقع في مركز كل مجرة كبيرة- على ما يعترضها من الأجسام.
وقال أندريا غيز، وهو عالم فلك في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجيلس تولى مراقبة مراكز المجرات منذ سنة 1995: "سنتعلم شيئا ما بصرف النظر عما سيحدث."
وقال ستيفان غيلسن، الذي يعمل في معهد ماكس بلانك للفيزياء خارج كوكب الأرض في ألمانيا والذي تمكن فريقه من اكتشاف السحابة الغازية "G2" في 2011، إنه من المرجح أن ينكشف هذا الحدث في مشهدين. وأوضح غيلسن أن المشهد الأول سيقع بعد مرور أسابيع معدودة على اقتراب السحابة، والتي تتخذ شكل جديلة المعكرونة بفعل جاذبية الثقب الأسود، إلى أقرب نقطة من "سغيتاريوس A". وتفيد النماذج بأن هذا المشهد سوف يقع في 31 آذار المقبل تقريبا مع هامش خطأ مقداره ثلاثة أسابيع.
وعند أقرب اقتراب للسحابة من الثقب الأسود، ستكون المسافة الفاصلة بينهما 200 ضعف المسافة التي تفصل بين الأرض والشمس. ومع ذلك، قد تكون المسافة الفاصلة بين السحابة والثقب الأسود قريبة بما فيه الكفاية لكي تخترق السحابةُ الحافةَ الخارجية لقرص المادة الذي يُعتقد بأنه يحيط بالثقب الأسود ويغذيه.
وقد تُصدر موجة الصدمة التي تنتج عن الاصطدام موجات من أشعة "اكس" وموجات راديو قد تكتشفها المناظير الفلكية (التلسكوبات). وإذا احتوت السحابة على نجم في مركزها، وذلك كما يعتقد بعض علماء الفلك، فإنها قد تُحدث صدمة أشد وتُصدر ضوءا أكثر، وذلك كما تعتقد سارة ماركوف من جامعة امستردام.
وقال غوفري باور، وهو عالم فلك يعمل مع معهد علم الفلك والفيزياء الفلكية (منظمة تايوانية تعنى بعلم الفلك) في هيلو بهاواي، بأنه يمكن أن يُحدث الاصطدام تأثيرا مختلفا، حيث أن الاضطرابات التي تحدث في السحابة قد تغير اتجاه تذبذب موجات الراديو عند انبعاثها. وقد تتمكن عمليات المراقبة الفورية للسحابة من خلال المناظير الفلكية المضبوطة على أطوال مختلفة لموجات الراديو أن تميز منعطفات الموجات، وهو الأمر الذي من شأنه أن يمنح علماء الفلك تفاصيل جديدة عن صفات السحابة.
ومع ذلك فإن معظم مشهد الألعاب النارية لن يحدث قبل سنة أو عقود من الآن. حيث قد يستغرق انفصال المادة عن سحابة "G2" وولوجها في مسار حلزوني في القرص الذي يحيط ويقيت الثقب الأسود ذلك الوقت، وعندئذ فإن المسافة الفاصلة بينها والثقب ستكون واحد بالمائة من المسافة الحالية. وعند تلك المسافة، سترتفع درجة الغاز إلى ما فيه الكفاية ليتوهج بشدة كبيرة قبل أن يبتلعه الثقب الأسود.
ويعتقد علماء الفلك أيضا بأنه في حال ابتلع الثقب الأسود السحابة الغازية، فإنها ستفقد الكثير من زخمها الدوراني أو دورانها الفلكي حول الثقب الأسود.
وعلى الرغم من أن المنظّرين اقترحوا بأن الاحتكاك في القرص يقلل دوران المادة، أوضح د. غريسلر بأن "نماذج المحاكاة على أجهزة الحاسوب قادرة على تتبّع انحدار السحابة في الثقب الأسود."
وإذا استغرق الغاز وقتا قصيرا نسبيا لكي ينحدر باتجاه الثقب الأسود سالكا حركة لولبية، فذلك سيدل على أن قرص الثقب الأسود لزج كالعسل يقلص من سرعة الغاز الدورانية. أما إذا استغرق ذلك وقتا أطول بكثير، كأن يستغرق عقودا مثلا، سيوحي ذلك بأن القرص أقل لزوجة كالماء، وهو ما سيتيح للغاز أن يلف عدة مرات قبل أن يهوي في الثقب الأسود.
ويضيف العلماء ان الانحرافات التي يمكن ان تحدث على الشكل المتوقع للهالة قد توحي انه يتيعن اعادة النظر في نظرية الجاذبية التي وضعها " ألبرت آينشتاين" (النظرية النسبية: الجاذبية هي عبارة عن انحناءات في الفراغ تُسببها الكتلة . فكلما كانت كتلة الجسم أكبر كلما انحناء الفضاء حوله أكبر. والأجسام الأقل كتلة سوف تقع في هذا الانحناء الذي صنعه الجسم الأول وبالتالي سيأسرها بجاذبيته).
كما يتوقع العلماء أن نجما سيقترب في العام 2018 من الثقب الاسود وهو ما سيعطي العلماء فرصة أكبر لاختبار نظرية "آينشتاين".
اضف تعقيب